تعالوا نقرأ الخبر التالى والذى نشر، منذ أيام، فى بوابة الوفد الإلكترونية.. .قال الإعلامى إبراهيم عيسى، إن مصر عاشت خلال فترة حكومات الوفد مرحلة من الانفتاح الاستثنائى والفريد لم تعشه فى بقية فتراتها، بداية من تولى سعد باشا زغلول الحكومة فى عام 1924 وحتى تولى مصطفى النحاس الحكومة فى عام 1950، مردفًا: «مصطفى النحاس رجل عظيم ومظلوم ولا يوجد أعظم منه فى تاريخ مصر.. أضاف عيسى، خلال تقديم برنامجه «حديث القاهرة» المُذاع عبر قناة «القاهرة والناس»، أن حزب الوفد كان حينها حزب الأغلبية وجاء بالديمقراطية والانتخاب رغم وجود بعض المظالم ووجود ملك يحتكر السلطات واحتلال إنجليزي».
نعم.. مصطفى النحاس، هو الزعيم الذى تعرض، ومازال، للظلم، فهو الزعيم الوطنى، المناضل، الذى تعرض لأكبر عملية محو تاريخى لإنجازاته السياسية.. .وهو الزعيم الطاهر الشريف عفيف اليد واللسان والتاريخ الذى لم يحصل على تكريم من وطنه سوى إطلاق اسمه على شارع شاءت الظروف أن يكون شارعًا مهمًا فى أحد أحياء القاهرة!!
دعونا نتكلم عن سيرة مصطفى النحاس، حتى تعرفه الأجيال الجديدة، التى تبحث عن مثل مضىء فى طريق العمل السياسى، وتبحث عن أمل فى قلب عتمة النهار، ولن نجد أفضل من مصطفى النحاس نموذجًا، وهو الرجل الذى أطلق عليه سعد زغلول لقب «سيد الناس» الذى أصبح لقبه فيما بعد.. «الزعيم المظلوم»!!
«النحاس» تعرض لانتقادات شديدة بسبب قبوله تشكيل الحكومة الخامسة له، والتى استمرت أربعة أشهر، تقريبًا، من 4 فبراير 1942 وحتى 26 مايو من نفس العام، وقد تعرض للهجوم لأن الانجليز فرضوها على الملك «فاروق».. فقد كانوا يريدون حكومة يرضى عنها الشعب خوفًا من القلاقل الداخلية أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكن «النحاس» قال فى خطاب الحكومة موجهًا حديثه للملك: «لقد ألححتم على المرة تلو المرة ثم ألححتم على المرة تلو المرة كى أقبل هذه الوزارة وقد قبلتها» لينفى الرجل بذكاء شديد الاتهام الذى وجهه خصوم الوفد للنحاس بالتواطؤ من أجل الحصول على منصب رئيس الوزراء!!
ورغم كل هذه الوزارات وكل هذا السلطان كان يعود الرجل بعد أشهر قليلة من الحكم إلى صفوف الجماهير، مناضلًا ومكافحًا من أجل الحرية والديمقراطية.. لم يفسد ولم يتربح.. حتى إن خصومه حاكموه فى البرلمان وأصدروا ضده كتابًا أسود واتهموه بالفساد لأن زوجته السيدة زينب الوكيل لم تدفع رسومًا جمركية مقررة على بالطو «فرير» حضرت به من الخارج وكانت ترتديه.. فاعتبره خصومه فسادًا!!
يجب أن نعيد عليكم مرارًا وتكرارًا القصة الشهيرة التى تكشف عن شخصية مصطفى النحاس.. بعد حركة يوليو 1952 تم تحديد حركة الزعيم مصطفى النحاس.. وكان مسجد الإمام الحسين من الأماكن المسموح له بزيارتها أسبوعيًا.. وكان سعد عبدالنور نجل القيادى الوفدى البارز فخرى عبدالنور لا يرى النحاس إلا كل يوم جمعة فى مسجد الإمام الحسين بالقاهرة.. وفى إحدى المرات قال سعد عبدالنور للنحاس: يا باشا أنا مسيحى.. مش معقول كل ما أحب أشوفك لازم تجبرنى أدخل جامع الحسين! فرد عليه النحاس مازحًا: جرى إيه يا سعد إنت ما تعرفش إن مولانا الحسين كان وفدي!!
هذه الحكاية الحقيقية هى مفتاح شخصية مصطفى النحاس باشا الذى قضى عمره يدافع عن الوطن وقضيته الوطنية من خلال الوفد الحزب العريق الذى عشقه مثل روحه مستعينًا بالله.. متمسكًا بثوابته التى لا تختلف عن ثوابت كل المصريين الذين كانوا يعملون نهارًا من أجل لقمة العيش ويناضلون ظهرًا ضد الاحتلال ويزورون أولياء الله الصالحين تبركًا بهم فى مواجهة الظالمين والفاسدين ويمسكون بأيدى إخوانهم المصريين بغض النظر عن دينهم لصناعة عروة وثقى تحميهم من الطغيان والتشتت والانحدار.. كانت هكذا مصر وكان مثلها النحاس.. الذى كانت حياته مثل وفاته.. فقد عاش حياته زعيمًا مناضلًا يقاوم الاحتلال ولا يسعى إلى الحكم.. بل كان الحكم هو الذى يأتى أمامه وتحت قدميه.. ومات–أيضًا–زعيمًا بعد أن خرج الناس من بيوتهم ينحبون ويبكون رحيله.. فقد كانت جنازة مصطفى النحاس هى الدليل الأهم والأكبر على زعامته.. كانت مهيبة.. حاشدة.. فى عز مجد جمال عبدالناصر الذى صدمته هذه الحشود التى خرجت لتشييع رجل كان يعتقد أن سيرته قد ماتت قبل وفاته بثلاثة عشر عامًا قضاها تحت الإقامة الجبرية.
ظل النحاس مقيد الحركة حتى توفى يوم 23 أغسطس 1965 وهو لا يملك سوى معاش لا يكفى تغطية ثمن الدواء.. عاش فقيرًا ومات فقيرًا.. ولكنه بلا شك رحل زعيمًا فماتت الزعامة من بعده.