لا أعرف ما هو مصدر التخويف من وصول السيناتور الأمريكى السابق، ونائب رئيس أمريكا السابق، جو بايدن، إلى البيت الأبيض من خلال انتخابات شرسة، وصعبة، ولا أفهم أسباب تصدير فكرة أن وصول بايدن يساوى فى «مُعامل» أو معادلة السياسة، عودة تنظيم وجماعة الإخوان المسلمين إلى المشهد السياسى المصرى، وأن جو بايدن الديمقراطى، نائب رئيس أمريكا وقت ثورة يناير، ومرشح الحزب الديمقراطى، الذى كان يدعم الجماعة بقوة للوصول إلى السلطة، سوف يستمر على نفس المنهج ويسعى لتطبيق ذات الفكر حتى يتم تنفيذ ما فشلت فيه الولايات المتحدة فيما سبق، وأنها ستضغط على مصر حتى تعود الجماعة!!!
اسمحوا لى..هذا فكر سياسى مُراهق، لا يصلح لتحليل العلاقات بين الدول، خاصة علاقة دولة عظمى مثل الولايات المتحدة، التى تتبنى فكرًا ميكيافيليًا صرفًا، فى تصريف مصالحها مع العالم، وخصوصًا فى الشرق الأوسط، ولا يصلح أيضًا لتفسير مكانة دولة كبيرة وعتيقة وراسخة مثل مصر خلال السنوات الأربع القادمة، فوصول «بايدن» إلى صدارة السلطة فى الولايات المتحدة، سوف يؤدى إلى تغيير فى العلاقات بين البلدين فى حدود ما يجعل بايدن يتحرك وفق برنامج حزبه ومصالح بلاده–الآن وليس أمس–وفى حدود ما تسمح به مصر، وليس العكس!!
تعالوا نتكلم عن الموقف الأمريكى، وردة الفعل المصرية، طبقًا لنظرية المصالح الخاصة والمشتركة، وليس تطبيقًا لمنهج «الاستلطاف» فى السياسة!
أولًا..لا تنس أن مصر هى بالنسبة للولايات المتحدة تمثل حليفًا استراتيجيا قديمًا، فالعلاقات بين البلدين، لم تنقطع، منذ 42عامًا، ولم تتوتر إلا قليلًا، خلال العامين الأخيرين فى عهد الرئيس الراحل حسنى مبارك، ورغم ذلك لم تعلن الولايات المتحدة برئاسة أوباما التخلى عن نموذج الحكم والدولة القائم وقتها، بل كان الرئيس الأمريكى يتردد فى خطابه ما بين المطالبة بالاستجابة لمطالب الشباب الثائر فى 2011، وما بين الاستقرار، وحينما حانت لحظة الرحيل، وتم إبلاغ الإدارة الأمريكية بأن مبارك سيتنحى، خرج أوباما، ليقول بشكل علنى، يجب أن يرحل مبارك الآن، وهى الجملة الشهيرة التى انتهت بكلمة«ناااو»، ولم يكن فى ذلك الوقت قد تم تحديد ما هو البديل لنظام مبارك، هل يستمر خُلفاؤه البعيدون عن ظاهر السلطة، أم تتم الاستعانة بجماعة الإخوان المدعومة أمريكيا، لتطبيق نظرية أكاديمية قررتها مراكز الأبحاث التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، حول ما أسمته «الحكم الدينى المعتدل» فقد قالت هذه المراكز – وقتها – إن المنطقة كلها يجب أن تتحول لنظام الحكم الدينى المعتدل ممثلًا فى جماعة الإخوان المسلمين حتى يتم القضاء على الجماعات الدينية المتطرفة التى تمكنت من الوصول بعملياتها الإرهابية إلى قلب واشنطن فى يوم 11 سبتمبر 2001، وقد تم بناء هذه النظرية على مفهوم خاطىء وساذج للغاية، وهو أن الإخوان ليس لهم علاقة بهذه الجماعات، أو على أقل تقدير ليس لهم علاقة بالتطرف!!
المهم.. أن القرار كان معلقًا، ولم تتجه الولايات المتحدة لدعم الإخوان صراحة، إلا بعد انهيار الدولة المصرية كاملة، أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا وإداريًا، ولم تصمد سوى مؤسسة واحدة، حافظت على بقائها وتماسكها، هى المؤسسة العسكرية، التى قررت أن تبتعد عن البئر التى يسقط فيها الجميع، حتى تحافظ على الوطن الذى كان يمكن أن يتجه للاحتراق فى أتون حرب أهلية، لولا هذه الحكمة.
إذن.. كان أحد أهم أسباب دعم الولايات المتحدة لجماعة الإخوان، هو عدم وجود بديل جاهز فى ذلك الوقت، والولايات المتحدة لا يمكن أن تصبح بلا حليف فى مصر، ولا يمكن أن تبقى بلا بديل لهذا الحليف، وهذا كله أدى إلى وصول الإخوان للسلطة بهذه السرعة خاصة أنهم أرادوا إخافة الجميع، فقد هددوا بحرق مصر، وزجوا بجماعات مسلحة غير مصرية لمهاجمة الحدود من ناحية الشرق، واقتحموا السجون، وقاموا بتهريب عناصر خطيرة لاستخدامها فى القتل والترويع، وتمكنت الجماعة من إخلاء الساحة تمامًا، فلم يعد للأمريكيين سوى الإخوان لدعمهم للوصول إلى السلطة.
أما الدولة المصرية فى ذلك الوقت، كما قلنا، فقد كانت فى انهيار تام، وفى الواقع لم تكن توجد دولة، بل مجموعات من الأفراد يتحركون طبقًا لخبراتهم، وإيمانهم بأهمية أدوارهم فى حماية أوطانهم، وظلت كل المؤسسات مرتبكة، حتى وصلت الجماعة إلى القمة، وقامت بخطف منصب الرئيس، فقد كانت تبدو أمام الناس جماعة منظمة، قوية، تعرف أهدافها، وبعد الوصول إلى السلطة، اكتشف الناس أنها جماعة فاشية مستبدة لا تؤمن إلا بحق أعضاء الجماعة، وما دونهم هم تابعون ليس لهم أية حقوق، فتغيرت إرادة الناس من السكوت على النتيجة التى حدثت فى انتخابات الرئاسة، إلى رفض استمرار الجماعة فى السلطة، حتى من منحوا الجماعة ومرشحها أصواتهم، تغيرت مفاهيمهم، وأصبحوا لهم من الرافضين، والدولة ومؤسساتها أيضاَ، أفاقت من غيبوبة الانهيار، سواء كان انهيارًا أمنيًا أو سياسيًا أو إداريًا، خاصة مع بدء مشروع التمكين بعد أيام قليلة من وصول محمد مرسى لمنصب رئيس الجمهورية فقد انتفضت هذه المؤسسات فى لحظة واحدة، مع مواطنين شعروا بالخطر، لنصل إلى نتيجة 30 يونيو التى طردت الجماعة من الشارع ومن السلطة فى آن واحد.
الخلاصة.. عودة الإخوان مرهونة بتغير الأوضاع داخليًا (إرادة شعب وقبول مؤسسات الدولة) وكلاهما ترك جماعة الإخوان تصل إلى السلطة فى لحظات انهيار أمنى أدى لتخويف الشعب وإلغاء دور مؤسسات الدولة.. أما الإرادة الأمريكية فى هذا الإطار فهى متوقفة على ردة الفعل المصرية، ويجب أن نقول بصوت عالٍ (عودة الإخوان مرفوضة من الشعب المصرى الذى عانى منهم لمدة عامين بعد ثورة 25 يناير وعامين مثلهما عقب ثورة 30 يونيو).