لن يعرف حجم المعاناة التى عاشها الصعايدة، عبر مئات السنين، إلا الصعايدة أنفسهم! الصعايدة كانوا يعانون من إهمال ليس له حد، وتجاهل ليس له نهاية، ويبدو أنهم أخيرًا وجدوا من يحنو عليهم ويقول لهم أنتم مواطنون من الفئة الممتازة التى تستحق الحصول على حقوقها، بعد سنوات من التهميش العمدى الذى أسفر عن مرحلة من أسوأ المراحل التى مر بها الصعيد فى الثمانينيات والتسعينيات، عندما تنامى الإرهاب الأسود، مستغلًا غياب الدولة عن أداء دورها فى تنمية الصعيد، وتركته فريسة فى يد من يريد استغلال ظروف الشباب الرافض للإهمال والتهميش، وتحويله إلى عنصر فاعل فى يد الجماعات الدينية.
< لأول مرة يأتى من يقول للصعايدة، أنتم تستحقون العناية والرعاية، وتستحقون إيقاف الظلم الواقع عليكم منذ مئات السنين لأسباب غير معروفة أو مفهومة، عبر عشرات الأنظمة السياسية، وعشرات الحكام الذين كانوا يعتبرون الصعيد منطقة لا تستحق الاهتمام إلا من أجل السياحة، ولذلك لم يكن الحق فى الحياة متوفرًا إلا فى مدن الجنوب التى تحتوى على الآثار وهى تمثل أقل من 10% من مساحة الصعيد الذى كان يمكن تحويله إلى مركز هام للصناعات الثقيلة، ولكن لم يكن أحد يسمع أو يحاول بذل الجهد للتفكير فى الصعيد وناسه!
< يحسب للرئيس عبد الفتاح السيسى أنه أول رئيس لمصر يهتم بالصعيد اهتمامًا مباشرًا، ويحسب له أنه قضى عدة أيام، بكل صبر واهتمام، يتابع بنفسه ويشرف على المشروعات التنموية فى الصعيد، التى يبدو أنه يتم الإعداد لتنفيذها منذ فترة طويلة، فهى مشروعات ضخمة، تحتاج لوقت طويل لدراستها وتجهيزها وتنفيذها، وهذا يعنى أن هناك خطة استراتيجية تستهدف تحويل الصعيد إلى مركز للتنمية الشاملة، وما أتمناه هو أن تكون هناك استراتيجية لربط ناس الصعيد بأرضهم لإيقاف الهجرة منها إلى غيرها من المحافظات وخاصة القاهرة والجيزة والإسكندرية، حتى نوقف الضغط على هذه المدن، وفى نفس الوقت نستغل الإمكانيات البشرية لأبناء محافظات الصعيد فى تنمية محافظاتهم، وتحويلها إلى مراكز انتاج زراعى وصناعى لتحقيق الاكتفاء الذاتى وتصدير الفائض من خلال خطة زمنية لن يستطيع سوى الدولة وضعها وتنفيذها وتحقيق معدلات سيرها بانتظام.
< يحسب للرئيس عبد الفتاح السيسى، أيضًا، أنه أعطى الصعيد الجوانى نظرة جادة، الناس هناك تعانى، ولم يكن هناك من يشعر بهم.. البطالة فى الصعيد حالة طبيعية منذ عشرات السنين ومعالجتها تكون دائمًا شخصية، فالصعيدى لم يكن يجد حلًا سوى الهجرة الداخلية للقاهرة والإسكندرية، أو خارجية إلى الخليج حتى يتمكن من بناء مستقبله.. لم نكن نجد–نحن الصعايدة–أحدًا يبحث عن أدوات حل أزمات الصعيد الاقتصادية المتراكمة، فلم يوجد مستثمر يمتلك الشجاعة ليحول مناطق شرق النيل الجبلية لمناطق صناعية ضخمة، وهى مناطق شاسعة غير مأهولة يمكن تحويلها إلى مجمع «مصانع» يعمل فى مجالات الحديد والصلب، والأسمنت، والسفن البحرية! وباستثناء الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، التى قررت منذ فترة، إنشاء أكبر مصنع للأسمنت والرخام فى بنى سويف، لم يوجد من يمتلك الشجاعة للاستثمار فى الصعيد، رغم أنها منطقة مهمة للعمل والإنتاج والربح، فيستطيع هؤلاء المستثمرون بناء مدارس صناعية لتأهيل العمالة التى تعانى البطالة، وتهرب للعمل بالقاهرة والإسكندرية، فى مهن غير منتجة، وفى إطار «بطالة مقنعة» تزيد أزمات العاصمتين الأولى والثانية، ولا تقضى على مشكلات الصعيد، لتتحول هذه العمالة المدربة إلى قوة منتجة قليلة الأجر!
< لا تتعجب عندما يقول لك، صعيدى مثلى أن العمالة فى الصعيد «قليلة الأجر» لأن الحياة فى بلادنا بسيطة، والناس لا يركبها «الطمع» ولكن الدافع لديهم هو «الستر» و«رضا الرب»..والصعايدة يزرعون طعامهم، ويعيشون فى مجتمع مترابط لا يعترف إلا بالاتصال المباشر، بدون وسائط أو محمول، والتعليم بالنسبة لهم مجهود شخصى، لأن المدارس غير مزدحمة، والمدرسين أولاد البلد، وأبناء عمومة، والوقت متاح للمذاكرة والنجاح والتفوق، لمن يريد، والعمل للأسف متاح برفاهية، فقط، لمن يرغب فى الهجرة إلى العاصمة!
< الاستثمار فى الصعيد، هو المستقبل، والربح سيكون لمن حضر، والضغط السكانى على القاهرة، سيقل، لأن الصعيدى لن يترك قريته، طالما وجد عملًا قريبًا من أرضه وأهله!
< إحنا الصعايدة «قد كلمتنا».. تعالوا للاستثمار فى بلادنا وستجدون عمالًا «رجالة» وبيئة صالحة للعمل والإنتاج والتصدير.